كان للإسلام أثر عظيم في انتشار الكتابة العربية وتطورها وازدهارها، فقد شجَّع على القراءة والكتابة، وكانت الآية الأولى التي نزلت على المسلمين تتضمّن الأمر بالقراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، وذكر الله في موضع آخر الأمر بالكتابة حيث أقسم بالقلم وما يسطر به (ن والقلم وما يسطرون)، وغيرها الكثير من الآيات والأحاديث النبوية. ولما انتقل مركز النشاط السياسي والثقافي من الحجاز إلىالعراق في أواخر الخلافة الراشدة عرفت جميع الخطوط في تلك المنطقة باسم الخط الحجازي باعتباره مصدر نشأتها، والذي كان يميل إلى الليونة أو شبه الليونة، ولكن مع انتقال مركز النشاط السياسي إلى العراق كان هناك اتجاه إلى استخدام الخط الجامد وهو الخط الكوفي، حيث ازدهر هذا الخط وبشكل خاص في مدينة الكوفة، وعُني أهالي الكوفة بهذا الخط عناية خاصة، وأجادوا أصوله وهندسته وأشكاله، وكانت تكتب به المصاحف واللوحات التذكارية وشواهد القبور، واستمر استخدام الخط الكوفي حتى نهاية العصر الفاطمي، ثم بدأ الأيوبيون في الاعتناء بالخط النسخي حتى شاع في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكتبت به الكتب والمطبوعات والمنشورات، كما أن الخط العربي تنوعت أشكاله منذ بداية رحلته، وازدهرت هذه الأشكال في أيام العباسيين فظهر الكثير من الأقلام والخطوط الجديدة ومن أشهر هذه الأشكال خط الثلثي الذي وصل إلى مناطق بعيدة في الأقطار الإسلامية حتى إنه استخدم في بعض النقوش العربية في البنغال.
مع أن الخط العربي قد وجد متأخرًا بالنسبة لبعض الخطوط الأخرى كالخط السنسكريتي والخط اليوناني، إلا أنه انتشر بسرعة فائقة، ولم يكن انتشاره محدودًا في بلاد العرب، بل تعدَّى ذلك إلى اللغات الأخرى كاللغة الماليزية والأندونيسيةوالأردية والبنجابية والكشميرية والبلوشية والأفغانيةوالفارسية والكردية والعثمانية في آسيا، وكذلك اللغة السنغالية والزنجبارية والصومالية والأريتيرية والسواحليةفي أفريقيا، واستخدمته بعض شعوب أوروبا لفترة محدودة في بلاد البلقان. واتجه المسلمون في البنغال إلى استخدام الخط العربي بدلاً من الخط البنغالي في اللغة البنغالية، غير أنه مع مرور الزمن وإهمال حكام المسلمين للغة العربية ترك أهل البنغال الخط العربي، وقد حفظ التاريخ بعض دواوين الشعر والمخطوطات البنغالية بالخط العربي والتي كانت قد دونت في العصور الوسطى. بدأ استخدام اللغة العربية في الهند منذ الأيام الأولى للفتح الإسلامي للسندوذلك في عام 89 هـ / 708م، وكان أول نقش عثر عليه في الهند هو نقش المسجد الجامع في بنبهور بالسند والمؤرخ سنة 107 هـ / 727م، وهو أقدم النماذج التي استخدم فيها الخط العربي للكتابة على الأحجار في العصور الإسلامية، وهذا النقش عبارة عن لوحة كتبت بالخط الكوفي وهي تخلو من الشكل والإعجام، ومن النماذج النادرة للخط الكوفي في الهند نقش هوند (Hund) المؤرخ سنة 482 هـ / 1090م، والذي كتب في عهد الغزنويين، وترجع معظم النقوش المعثورة في الهند إلى القرن السابع الهجريالموافق القرن الثالث عشر الميلادي أي في أوائل فترة السلاطين المماليك بدلهي، وتحتوي على أنواع مختلفة من الخطوط الكوفية مثل الكوفي البسيط والمورق والمزهر، في حين لا تزال بعض المخطوطات المكتوبة بالخط النسخي والتي دونت في عصر السلاطين في البنغال محفوظة في المتاحف المختلفة، ومن الخطوط العربية الرئيسة التي استخدمت في الهند خط الثلث.[88]
أما في جنوب شرق آسيا فقد استخدم الخط العربي الجاوي لتدوين تراث الملايو بعد دخول الإسلام لتلك البلدان، والذي يرجع وفق أوثق الروايات إلى القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي، إلى أن سقطت البلاد أواخر القرن الثامن عشر في قبضة الاستعمار البريطاني الذي أحل الحرف اللاتيني محلَّ الحرف العربي، وتحتوي المكتبة الوطنية الماليزية نحو 4.600 مخطوطة بالخط العربي الجاوي القديم.[89]
دخل الخط العربي إلى أوربا من عدة طرق وهي: طريق آسيا الوسطى وبعد دخول العثمانيين مدينة القسطنطينية. طريقالحملات الصليبية المتكررة على مشرق العالم العربي ومغربه. طريق الأندلس بعد الفتح العربي الإسلامي لها وانتشار الجامعات الكبرى فيها ودخول أبناء ملوك أوروبا فيها، ونقل الحضارة الإسلامية إلى أوروبا عن طريقها. طريقصقلية حيث دخل العرب المسلمون إلى إيطاليا وحاصرواروما. وبذلك أوصل العرب الثقافة والمعرفة والعلوم إلى أوروبا جانب الخط. أكثر ما وجد من شواهد الخط العربي ما وجد في أبواب ونوافذ الكنائس والكاتدرائيات، وقصور الملوك والأمراء والنبلاء للزينة، وذلك في صقلية وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، ودخلت كثير من هذه الخطوط متاحف روماوباريس وفينا وأمستردام. لما امتدت فتوحات العثمانيين إلى وسط أوروبا، تعمقوا فيها غربًا فوصلوا سويسرا والنمسا، وأشيدوا القلاع والحصون، وتركوا آثارًا وبصمات عربية اللسان والحرف.[90]